samedi 31 janvier 2015

الاطار النظري

الفصل الأول:الإطار النظري للتنمية المحلية
تعاني الدول النامية من أزمة التخلف العميق والمتجذر في جميع المجالات بالإضافة إلى فشل الأنظمة السياسية فيها في تجاوب واستيعاب كل القوى الاجتماعية، إلى جانب ضعف هياكلها الإدارية في تحقيق المطالب الاجتماعية نتيجة الإختلالات التي تعانيها والفساد الحاصل على مستواها، الأمر الذي أحال دون تحقيق التنمية على المجتمعات المحلية.
لكن يعد ظهور مفهوم التنمية المحلية وتعاظم شأنها بعد الحرب العالمية الثانية وذلك نتيجة تزايد اهتمام الدول بها، ما جعلها ضرورة حتمية لأنها الأكثر قربا من المواطن لأنها تحسد متطلباته بالدرجة الأولى، الأمر الذي فرض على الهيأة الحكومية توحيد جهودها مع الجهود الشعبية لتحقيق هذا المطلب.
حيث سيتم التطرق في هذا الفصل إلى مفهوم التنمية بشكل عام ثم الأهمية التي تكتسيها والأهداف التي تنشد إلى تحصيلها، للوصول إلى تحديد مفهوم التنمية المحلية من خلال دراسة المداخل النظرية التي تناولت هذا المفهوم والتطرق إلى معرفة مجالاتها وركائزها الأساسية التي يجب تفعيلها لتحقيقها وصولا إلى توطئة جل المعوقات والمشاكل التي تعترضها وتحول دون تجسيدها.
المبحث الأول: مفهوم التنمية والمصطلحات ذات العلاقة
التنمية كلمة ذات معاني ودلالات كثير ومجالات مختلفة، أخذت الكثير من مجهودات الدولة لتحسينها والرقي بها، وسنحاول التعرف على مفهوم التنمية بصفة عامة ، حيث سنتناول في هذا الفصل مطلبين الأول يشمل مفهوم التنمية، والثاني أهمية وأهداف التنمية المحلية.
المطلب الأول:مفهوم التنمية
أولا:مفهوم التنمية لغة
     التنمية في اللغة معناها النماء أي الازدياد التدريجي, يقال نما المال أي تراكم وكثر, كما يستخدم اصطلاح التنمية بمعنى الزيادة في المستويات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.[1]
التنمية من النمو أي ارتفاع الشيء من موضعه إلى موضع أخر مثلا نقول نما الشيء أي ازداد وكثر, التنمية تدل على الزيادة كما وكيفا وقد برز المفهوم بداية في علم الاقتصاد حيث استخدم لدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده ,عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة وحسن توزيع العائد من ذلك الاستغلال
ثم انتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ الستينات من القرن العشرين ظهر كحقل منفرد يهتم بتطوير البلدان غير الأوربية اتجاه الديمقراطية.[2]
ثانيا: مفهوم التنمية اصطلاحا
     أثار مفهوم التنمية كثيرا من الجدل على جميع المستويات ( النظرية والعملية التطبيقية) حيث تحمل المؤلفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العديد من التعاريف لهذا المصطلح وكل منها تناوله من زاوية معينة حسب اختلاف الميادين والمناهج العملية الخاصة بها .ومنه يصبح مصطلح التنمية لا يؤدي نفس المعنى عند استخدامه في مختلف الدراسات ولعل أول من استعمل هذا المصطلح هو "بوجين ستيلي " حيث اقترح خطة "تنمية العالم" سنة 1889, وقد جاء في تقرير اللجنة التحضيرية لمؤتمر الأمم المتحدة للعلوم والتكنولوجيا من اجل التنمية أن المْسلم به عموما هو أن التنمية ليست مرادفة لمجرد النمو ولكنها تتضمن اعتبارات أخرى عديدة تتعلق أساسا برفاهية الإنسان ومن هذه الاعتبارات ما هو ثقافي وما هو روحي وما هو مادي ويذكر التقرير في موضع آخر انه من الضروري أن تؤدي أنماط التنمية إلى غايات أعلى من التوظيف في الريف أو المدينة نظرا للزيادة المتوقعة في السكان في البلدان النامية وتأثيرها على تمويل العمل فليس من الضروري أن يكون التوظيف منتجا من الناحية الاقتصادية ولكن ينبغي أن يكون مرضيا للفرد حاثا من الناحية الأخلاقية على الإبداع أو مؤديا إلى الاستخدام الأكثر فائدة لوقت الفراغ.[3]
وقد كان مفهوم التنمية مرتبط بمعنى اقتصادي (ما يعرف بظاهرة النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية) ومع تعدد حاجات الإنسان وتنوعها وما عرفته الحقوق من تطور إلى أن أصبح الحديث عن حاجات الإنسان الضرورية في المجال الاجتماعي ,السياسي والثقافي إلى آخره دون إغفال الجانب الاقتصادي ,فقد واكبت التنمية هذا التطور والتغير للحاجيات الإنسانية إلى أن أصبح الحديث عن التنمية السياسية,الإدارية ,البشرية ....الخ. ومن بين أهم التعاريف التي قدمت لمصطلح التنمية نذكر مايلي :
 

وضحت هيئة الأمم تعريفا لمفهوم التنمية المحلية:
الأول كان سنة 1955 مؤداه أن التنمية هي "العملية المرسومة لتقدم المجتمع جميعه اقتصاديا واجتماعيا معتمدا بشكل كبير على مساهمة المجتمعات المحلية".
أما الثاني فكان في 1956 حيث أعادت فيه صياغة تعريف التنمية مؤداه أن التنمية هي"العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها بأكبر قدر ممكن"[4]
يلاحظ من خلال مقارنة التعريفين أن الهيئة الأمم المتحدة أضافت في التعريف الأخير فكرة توحيد الجهود فيما بين المواطنين والحكومة وكذا توجيه عملية التنمية نحو المجتمعات المحلية التي أغفلها في التعريف الأول إقرارا منها بضرورة تدخل الحكومة في عملية التنمية إلى جانب مساهمة المجتمعات المحلية.
تعريف احمد رشد:يعرفها بأنها "عملية تغيير في البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع وفق توجهات عامة لتحقيق أهداف محددة تسعى أساسا لرفع مستوى معيشة السكان في كافة الجوانب بمعنى أن أية تنمية يقصد بها الارتفاع الحقيقي في دخل المواطن من جوانب اقتصادية وغير اقتصادية.[5] هذا التعريف     
   -  يركز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي للفرد.
هذا التعريف يركز على تنمية الجانب الاقتصادي والاجتماعي للفرد ورفع مستواه  المعيشي وذلك من خلال رفع دخله ومعاشه.
تعريف علي غربي :يعرفها هو الأخر بأنها "عملية معقدة وشاملة تضم جوانب اقتصادية ,اجتماعية,سياسية وثقافية مع عدم إهمال الجوانب النفسية والبيولوجية ,وذلك لفهم السلوك الإنساني بالدرجة الأولى والدوافع التي تربط الأفراد وما يقومون به من علاقات ,وما يترتب عن ذلك من أنظمة تتدخل تفاعلاتها وتأثيراتها في جوانب المجتمع المختلفة".[6]
-        هذا التعريف يظهر لنا أن التنمية هي عملية معقدة تتفاعل فيها جميع الجوانب السياسية والاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، النفسية، وبيولوجية.
تعريف الدكتور كاسر منصور:يعرفها بأنها "عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحقق رفاهية الإنسان وكرامته,وهي بناء الإنسان وتحريره وتطويره لكفاءته وإطلاق لقدراته على العمل البناء"[7]
-        يتبين من خلال التعريف أن التنمية هي عملية ديناميكية تضم جميع أوجه النشاط في المجتمع، لضمان تحقيق رفاهية الإنسان وصقل قدراته. 
تعريف الدكتور محمد شفيق:هو يقول أنها"تعني عمليات مخططة وموجهة تحدث تغييرا في المجتمع لتحسين ظروفه وظروف أفراده من خلال مواجهة مشكلاته وإزالة العقبات وتحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانيات والطاقات لتحقيق التقدم والنمو للمجتمع والرفاهية والسعادة للأفراد"[8]
يأكد الدكتور محمد شفيق على أن التنمية هي عبارة عن التخطيط الموجه إلى تغيير المجتمع وتحسين أوضاعه وأوضاع افراده عن طريق اللإستغلال الأمثل للإمكاناته.
كما يعرف "علي خليفة الكواري"التنمية بأنها العملية المجتمعية الواعية الموجهة نحو إيجاد تحولات في البناء الاقتصادي والاجتماعي, قادرة على تنمية طاقة إنتاجية مدعمة ذاتيا ,تؤدي إلى تحقيق زيادة منتظمة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد على المدى المنظور,وفي نفس الوقت موجهة نحو تنمية علاقات اجتماعية وسياسية تكفل زيادة الارتباط بين المكافأة والجهد و الإنتاجية فضلا عن استهدافها توفير الاحتياجات الأساسية للفرد وضمان حقه في المشاركة وسعيها إلى تعميق متطلبات آمنه واستقراره في المدى الطويل"[9]
يقصد من هذا التعريف تنفذ خطة ذات أهداف قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى فأما الأولى الغرض منها إحداث تغيير في المجتمع غلى المستويين الاجتماعي والاقتصادي من اجل بناء قدرات مادية وبشرية محلية قادرة على تحقيق نمو اقتصادي يرفع من مستوى الدخل الفردي الحقيقي , وأما الثانية فالغرض منها تحقيق الرضا لدى المواطن في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ...الخ.
تعريف إبراهيم العيسوي:"يعرفها بأنها عملية تحرر إنساني تشمل تحرير الفرد من الفقر والقهر والاستغلال وتقييد الحرية, كما تشمل تحرير المجتمع من ذل الاعتماد على الخارج وتخليصه من قيود التبعية بكل ما تحمله من استغلال وتقييد للإدارة الوطنية, وهشاشته أمام الصدمات الخارجية"[10]
من خلال هذا التعريف نرى أن التنمية تعمل للتحرر على مستوى الفرد أو الدولة , فعلى مستوى الفرد فهي إنقاذه من الفقر والقهر والعبودية والاستغلال وتقييد الحرية ,أما على مستوى الدولة فهي تقليص درجة التبعية للخارج و الإنعتاق منها.
تعريف أبو الحسن عبد الموجود إبراهيم أبو زيد: يعرف هو الآخر التنمية بأنها "عملية مجتمعية واعية ودائمة وموجهة في ظل مرجعية قيمة وإدارة وطنية من اجل إحداث تغيرات اجتماعية شاملة تحقق تصاعد مطرد لقدرات المجتمع وتحسين مستمر لنوعية الحياة فيه,وتعزيز الأداء الاجتماعي للأفراد والأسر للوصول إلى مجتمع امن ومتماسك"[11]
يرى الدكتور أبو الحسن عبد الموجود إبراهيم أبو زيد أن التنمية هي عملية مجتمعة يقوم بها جميع أفراد المجتمع في إطار تحسين نوعية حياتهم للوصول إلى مجتمع آمن ومتماسك.
تعريف محمد منير حجاب:يعرفها بقوله"التنمية من الناحية الحضارية تعني تغييرا أساسيا في كل أنماط الحياة السائدة, ويتبع هذا تغيير نوعي وكمي في صور العلاقات الاجتماعية في كافة مجالات النشاط البشري في المجتمع, الاجتماعية, الاقتصادية, السياسية, الثقافية والإدارية"[12]
يرى الدكتور محمد منير حجاب من هذا التعريف أن التنمية تسعى إلى تغيير أوضاعه الاجتماعية السائدة في جميع المجالات السياسية، اقتصادية، اجتماعية، الثقافية والإدارية.
تعريف هيئة الأمم المتحدة:تعرفها بأنها "عملية الانتقال بالمجتمعات من حالة ومستوى أدنى إلى حالة ومستوى أفضل, ومن نمط تقليدي إلى نمط آخر متقدما كما ونوعا وتعد حلا لابد منه في مواجهة المتطلبات الوطنية في ميدان الإنتاج والخدمات"[13]
هكذا اهتمت هيئة الأمم المتحدة بتحليل مفهوم التنمية بأنه عبارة عن:مجموعة الوسائل والطرق التي تستخدم من اجل توحيد جهود الأهالي والسلطات العامة بهدف تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمعات القومية والمحلية.[14]
كما عرفت التنمية أيضا بأنها "ذلك الشكل المعقد من الإجراءات والعمليات المتتالية والمستمرة التي يقوم بها الإنسان للتحكم بقدر ما في مضمون واتجاه وسرعة التغير الثقافي والحضاري في مجتمع من المجتمعات بهدف إشباع حاجات الإنسان"[15]
وعليه التنمية هي التي يتم بمقتضاها الانتقال من حالة التخلف إلى حالة التقدم هذا لانتقال يقتضي إحداث العديد من التغيرات الجذرية والجوهرية في البنيان والهيكل الاقتصادي,[16] كما أنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية ويقصد بمستوى الدول الصناعية إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوربية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية , المنافسة السياسية, وترسخ مفاهيم الوطنية وسيادة الولاء للدولة وهي بذلك عملية سياسية متعددة الغايات تستهدف ترخيص فكرة المواطنة وتحقيق التكامل والاستقرار داخل ربوع المجتمع وزيادة معدلات مشاركة الجماهير في الحياة السياسية وتدعيم قدرة الحكومة المركزية على إعمال قوانينها وسياساتها على سائر إقليم الدولة, ورفع كفاءة هذه الحكومة فيما يتصل بتوزيع القيم والموارد الاقتصادية المتاحة فضلا عن إضفاء الشرعية على السلطة بحيث تستند إلى أساس قانوني, مع مراعاة الفصل بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية بحيث تقوم على أن كل منها هيئة مستقلة عن الأخرى فضلا عن إتاحة الوسائل الكفيلة بتحقيق الرقابة المتبادلة بين الهيئتين.[17]كما يقصد بالتنمية إحداث تطور في مجال ما بواسطة تدخل أطراف واستعمال أدوات من اجل الوصول إلى التطور والرقي,إذا التنمية هي عبارة عن عملية تدخليه أو هي تدخل إداري من قبل الدولة وهي تحقيق زيادة تراكمية سريعة في الخدمات وهي تغيير ايجابي يهدف إلى نقل المجتمع من حالة إلى حالة أفضل,[18]وعليه يمكن استنتاج أهم خصائص التنمية وهي كالآتي:
1-            التنمية هي عملية وليست حالة, وبالتالي فإنها مستمرة ومتصاعدة تعبيرا عن احتياجات المجتمع وتزايدها.
2-   التنمية عملية مجتمعة يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات في المجتمع.
3-   التنمية عملية واعية إذن هي ليست عملية عشوائية بل محددة الأهداف والغايات.
4-   التنمية عملية موجهة بموجب إدارة للتنمية حيث يتم بموجبها تحقيق النمو الإداري الذي يتم التوصل إليه نتيجة إجراءات وتدابير مقصودة يعبر عنها ببرامج وخطط وسياسات تهدف إلى تحقيق معدلات معينة من النمو.[19]
5-   إيجاد تحولات هيكلية وهذا يمثل إحدى السمات التي تميز عملية التنمية الشاملة عن النمو, وهذه التحولات بالضرورة هي تحولات في الإطار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
6-   بناء قاعدة وإيجاد طاقة إنتاجية ذاتية ولا تعتمد عن الخارج أي مرتكزات البناء تكون محلية.
7-   تحقيق تزايد منتظم أي عبر فترات زمنية طويلة.
8-   زيادة في متوسط إنتاجية الفرد أي بتعبير اقتصادي آخر هو تزايد متوسط الدخل الحقيقي للفرد,بما يعنيه ذلك من جوانب اقتصادية وغير اقتصادية.[20]
9-   تزايد قدرات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويجب أن يكون التزايد متصاعدا هو الوسيلة لبلوغ غاياته.
10-   الإطار الاجتماعي– السياسي: يتضمن آلية التغير وضمانات استمراره ويتمثل ذلك في نظام الحوافز القائم على أساس الربط بين الجهد والمكافأة.
ثالثا: المفاهيم أو المصطلحات ذات العلاقة
- 1    النمـو(croissant):يشير إلى التقدم التلقائي أو الطبيعي أو العفوي دون تدخل معتمد من قبل المجتمع أو الدولة, أما التنمية( développement) فهي تلك العمليات المقصودة التي تسعى إلى إحداث النمو بصورة سريعة في إطار خطط مدروسة وفي حدود فترة زمنية معينة.فالنمو يحدث من خلال تطور تدريجي بطيء, بينما تحتاج التنمية إلى دفعة قوية تحركها قدرات إنسانية خبيرة تخرج المجتمع من حالة الركود إلى الحركة والتقدم.[22]
   2- التغير(changement):لا يؤدي بالضرورة إلى التقدم والارتقاء,بينما غرض التنمية هو الانطلاق نخو الأفضل بخطى مستقيمة صاعدة كما أن الفرق بين التغيير والتنمية يتمثل في أن التنمية يفترض سيرها في خط واضح متجه نحو الأمام يميزها عما كانت عليه, كما تفترض حكما تقويميا يبينها بأنها تسير نخو الأفضل بعكس التغيير الذي لا يفترض فيه الأحسن على طول الخط وإنما قد يكون التغيير إلى الأسوأ.[23]
   3- التطور(évolution): يقصد بالتطور ذلك التغير التدريجي ويأخذ التطور عدة أنواع[24] هي:
التطور الكوني : وهو يدل على العالم والأجرام السماوية, مع النشود إلى الارتقاء ثم الفناء.
التطور العضوي:ويطلق على النمو في الكائن الحي الذي يأخذ دوره في تطويره تبدأ منذ تكوين الخلية الأولى ثم الجنين فالولادة فالنضوج ثم الوفاة.
التطور العقلي:وما يصاحبه من نمو وارتقاء في التفكير والشعور والإدراك ثم نضوج ثم اضمحلال ويعتمد ذلك على القدرات الذهنية والعقلية.
ويقول "هربرت سبنسر(spencer)" بهذا الخصوص أن "المجتمع الإنساني كائن ينمو ويتطور.[25] أما " كونت (conte)" فيقول أن " المجتمع الإنساني يمر بمراحل تطور ثلاث, الأولى اللاهوتية حيث يفسر الإنسان كل الظواهر في ضوء الدين أو القوى اللاهوتية, ثم المرحلة الميتافيزيقية والتي يفسر فيها كل شيء في ضوء قوى خفية خارقة, أما المرحلة الوضعية فان الإنسان يفسر فيها كل ما يدور حوله بناءا على العقل.[26]
4- التقدم (progrés): يعني التحسن الذي يطرأ على المجتمع الإنساني في انتقاله من الحالة الفطرية الأولى إلى إلى حالة أعظم عملا.
5- التحديث (modernisation): يعني التحديث تخليص المجتمع من الطابع التقليدي المدعم للتخلف، وذلك من خلال الأخذ بالأساليب العلمية في مجالات الاقتصاد والزراعة والصحة والتعليم والعمران....الخ، وهو بذلك عملية تتصف بها المجتمعات المتقدمة لصعوبة تطبيق أبعادها ومكوناتها على المجتمعات المتخلفة، وفي هذا الصدد هناك دراسة قام بها" دانيال ليرنرd. Lerner" عن عملية التحديث في منطقة الشرق الأوسط، حيث صنف هذه المنطقة إلى فئتين إحداهما الفئة الريفية التي لم تنل حظها من التحديث فظلت تقليدية وذلك نظرا لجمود التنظيم الاجتماعي الريفي، وعدم ثقة أهل الريف في الهيأة الحكومية، وانتشار الفقر والمرض، أما الفئة الثانية فتتكون من سكان المناطق الحضرية الذين يؤدون أدوارا عديدة مثل الأدوار الفنية العليا في القطاعات المختلفة ( العسكرية، الإدارية، والصناعية والتعليمية.[27]
رابعا: التنمية في المفهوم الإسلامي
يقوم التصور الإسلامي للتنمية على أساس أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الكون واستخلف الإنسان في الأرض ليقوم بعمارتها, وفق منهج الله والشريعة, وقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان متميزا عن سائر المخلوقات ليكون قادرا على أداء هذه المهمة, وهيأ له بفضله
 وكرمه [28]
يرى "خيري خليل الجميلي" إن الفكر الإسلامي ليس فكرا ماركسيا ولا رأسماليا وإنما هو فكر يدعو للتعاون والمشاركة بين الناس مع اختلاف طبقاتهم ومراكزهم[29]
أما "ابن خلدون" فيرى أن التنمية هي التحول بالمجتمع من البداوة إلى التمدن والتحضر حيث يقول:"وان الحضارة غاية للبداوة....." ويرى أيضا أن التنمية هي أن يعيش الإنسان في منتهى الرفاهية, حيث يقول في هذا الصدد:"....والحضارة كما عامت هي التفنن في الترف واستجاد أحواله, والكلف بالصنائع التي تؤنق من أصنافه وسائر فنونه من الصنائع المهيأة للمطابخ أو الملابس آو المباني أو الفرش أو الآنية ولسائر أحوال المنزل.[30] 
إذن التنمية من المنظور الإسلامي هي عمارة الأرض بما يحفظ للإنسان  كرامته وفق منهج الله والشريعة, من قبل الإنسان نفسه الذي ميزه عن سائر المخلوقات بالعقل, ليكون قادرا على القيام بهذه المهمة,ومسؤولا أمام الله على تنفيذها.
المطلب الثاني: أهمية وأهداف التنمية.
أولا: أهمية التنمية.
1-   التنمية وسيلة لتقليل الفجوة الاقتصادية والتقنية بين الدول النامية والمتقدمة:التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضرورية للدول النامية لتقليل حدة الفجوة الاقتصادية والتقنية مع الدول المتقدمة، هناك عوامل اقتصادية وغير اقتصادية ساعدت على حدة هذه الفجوة، والتي مازالت متأصلة ومتوازنة في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية للبلدان النامية ويمكن إيجاز هذه العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية في المجموعتين التاليتين:
أ‌-      مجموعة العوامل الاقتصادية وتتمثل في:
1-   التبعية الاقتصادية للخارج.
2-   سيادة نمط الإنتاج الواحد.
3-   ضعف البنيان الصناعي.
4-   ضعف البنيان الزراعي.
5-   نقص رؤوس الأموال.
6-   انتشار البطالة بأشكالها المختلفة خاصة البطالة المقنعة.
7-   انخفاض متوسط دخل الفرد ومستوى المعيشة.
8-   سوء إدارة المنشأة وعدم كفاءة الجهاز الحكومي.
9-   استمرارية أزمة المديونية الخارجية.
ب‌-          العوامل غير الاقتصادية وتتمثل في:
1-   الزيادة السكانية الهائلة.
2-   انخفاض المستوى الصحي.
3-   سوء التغذية.
4-   انخفاض مستوى التعليم.
5-   ارتفاع نسبة الأميين.
ويمكن تجاوز هذه الأوضاع الاقتصادية وغير الاقتصادية تدريجيا بإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية تعتمد اعتمادا كبيرا على رؤية إستراتيجية مدروسة وواضحة.
واقتصرت التنمية في الدول النامية كنتيجة للمفاهيم الكلاسيكية للتنمية على الاهتمام بمعدل نمو الدخل القومي ورفع متوسط دخل الفرد، دون النظر إلى الكيفية التي يتولد بها هذا النمو،ولا إلى حالة توزيع الدخل بين فئات السكان.[31]
2-  التنمية أداة للاستقلال الاقتصادي:
  التنمية الحقيقية لابد وان تقوم على الاستقلال الاقتصادي وليس على أساس تبعيته، هذا ونود أن نؤكد هنا أن مجرد حصول القطر المتخلف على الاستقلال السياسي لا يترتب عليه انقضاء حالة التبعية هذه إذا استمرت هياكلها والياتها المشار إليها، بل إن التعامل التكنولوجي والمالي  ونوع المشروعات التي تقيمها الدول المتخلفة بعد استقلالها، كل ذلك يزيد ويعمق من روابط تبعية الأقطار المتخلفة والتي توارثت من فترة ما قبل الاستقلال، منا يستلزم التخلص تدريجيا من التبعية بتغيير الهيكل الاقتصادي للدولة، أي بإحداث التنمية الحقيقية تعتمد على الذات باستغلال الموارد المتاحة في الدول استغلالا صحيحا.[32]
ثانيا:أهداف التنمية
تسعى كل دولة إلى رفع مستوى معيشة سكانها؟؟، وليس هناك من شك أن أهداف التنمية تختلف من دولة لأخرى ويعود ذلك إلى ظروف الدولة وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية، ولكن هناك أهداف أساسية تسعى إليها الدول النامية في خططها الإنمائية، ويمكن حصر أهم هذه الأهداف الأساسية في الأتي[33]:
1-  زيادة الدخل القومي الحقيقي:
الدول النامية تعطي الأولوية لزيادة الدخل القومي الحقيقي لان زيادته من أهم الأهداف لتلك الدول فمعظم الدول النامية تعاني من الفقر وانخفاض مستوى معيشة سكانها، ولا سبيل للتخلص من هذا الفقر في تلك الدول وانخفاض مستوى المعيشة وتجنب تفاقم المشكلة السكانية والأوضاع الصحية والتعليمية المتدهورة إلا بزيادة الدخل الحقيقي الذي يساعد في التغلب تدريجيا على المشاكل التي تعاني منها الدول النامية خاليا،خاصة إذا تحققت زيادة الدخل منت إحداث تغييرات عميقة هيكلية في البنية الاقتصادية.
2-  تقليل التفاوت في توزيع الدخول والثروات:
يعتبر التفاوت في توزيع الدخول والثروات هدفا من الأهداف الاجتماعية في عملية التنمية
الاقتصادية، فاغلب الدول النامية التي تعاني من انخفاض الدخل القومي ومن انخفاض متوسط نصيب الفرد تعاني أيضا من إختلالات في توزيع الدخول والثروات، فقد تستحوذ فئة صغيرة من السكان على جزء كبير من الثروة، بينما تعاني غالبية السكان من الفقر وانخفاض مستوى دخولهم مما يؤدي إلى تدني المستوى الصحي والتعليمي والمعيشي، وتزداد هذه الظاهرة تفاقما كلما كبر حجم السكان واتسعت أقاليم الدولة وتباينت، ولا شك أن للتفاوت في توزيع الدخول والثروات مساوئ تتمثل في عدم شعور الأغلبية بالعدالة الاجتماعية، كما أن هذا التفاوت يميل إلى وضع الأفراد في طبقات، واهم هذه المساوئ على الإطلاق هي هدر الموارد الاقتصادية فالأغنياء ينفقون أموالهم في السلع الكمالية، هذا بافتراض أن الجهاز الإنتاجي قادر على التحرك لإشباع الطلب المتزايد من تلك الطبقة، ولو أننا نرى غالبية الدول المتخلفة بعجز جهازها الإنتاجي على تلبية الاستهلاك المظهري الذي تتمتع به طبقة الأغنياء فتتجه الدول إلى الاستيراد من الدول المتقدمة، مع ما يرتبط هذا من عجز في ميزان المدفوعات ومتاعب اقتصادية أخرى وكذلك فان زيادة الطاقات الإنتاجية الناجمة عن عملية التنمية في حاجة إلى خلق الطلب عليها واحد وسائل خلق الطلب هي إعادة توزيع الدخل لصالح الشرائح الأوسع في المجتمع.
3-   التوسع في الهيكل الإنتاجي:
يجب أن تسعى التنمية الاقتصادية إلى توسيع قاعدة الهيكل الإنتاجي، لان التنمية الاقتصادية لا تقتصر على مجرد زيادة الدخل القومي وزيادة متوسط نصيب الفرد بل التوسع في بعض القطاعات الهامة من الناحية الاقتصادية والفنية، كما يجب على الدولة بناء الصناعات الثقيلة أن أمكن ذلك من اجل أن تمد هذه الصناعات الاقتصاد القومي باحتياجات اللازمة، ومن أهم المشاكل التي تعاني منها الدول النامية والتي تسعى التنمية لتحسينها تتمثل في تخلف القاعدة الإنتاجية، ضعف درجة تشابك القطاعات وهيمنة قطاع واحد، ارتباط القطاع الواحد بالتصدير للعالم الخارجي وتبعيته بالإضافة إلى الثقل الكبير للقطاع في توليد الدخل الحكومي وتحديد مستوى النشاط.
إن زيادة الدخل القومي الحقيقي في أي بلد من البلدان تحكمه بعض العوامل كمعدل الزيادة في السكان، الإمكانيات المادية والتكنولوجية الملائمة لتلك الدول، فكلما كان معدل الزيادة في السكان كبيرا، كلما اضطرت الدول إلى العمل على تحقيق نسبة أعلى في دخلها لتلبية الحاجات الأساسية للزيادة السكانية، ولكن هذه الزيادة في الدخل مرتبطة أيضا بإمكانيات الدول المادية والفنية، فكلما كان هناك توافر في رؤوس الأموال وكفاءات بشرية في الدولة، كلما أمكن تحقيق نسبة أعلى للزيادة في الدخل القومي الحقيقي، ولا ننسى أن السكان أنفسهم مصدر مهم لزيادة الناتج لو وظفوا بشكل واع مع التدريب مما سوف يزيد من الإنتاجية.
4-رفع مستوى المعيشة:
وتسعى الدول النامية في خططها الإنمائية لتحقيق مستوى معيشة مرتفع، أن الارتفاع بمستوى المعيشة للمكان يعتبر من الضروريات المادية للحياة من مأكل وملبس ومسكن.
التنمية الاقتصادية ليست مجرد وسيلة لزيادة الدخل القومي السنوي فحسب وإنما هو أيضا وسيلة لرفع مستوى معيشة سكان ذلك البلد.
ففي معظم العالم الثالث، هناك فئة معينة من السكان مسيطرة سيطرة كاملة على الموارد المالية وعلى معظم الأنشطة الاقتصادية للدولة، مما يدل على أن الدخل غير موزع توزيعا عادلا بين فئات السكان، علما أن هناك ارتباط وثيقا بين زيادة السكان وزيادة الدخل، وكلما كانت زيادة السكان أكبر من زيادة الدخل كلما انخفض متوسط نصيب الفرد وأدى ذلك بالتالي إلى انخفاض مستوى المعيشة.
ويقاس مستوى المعيشة بمؤشرات كثيرة بما يستهلكه الفرد من سلع وخدمات وبإشباع احتياجاته الثقافية والحضارية أيضا، وتقاس قدرة الفرد على الأشياء بمستوى متوسط نصيب الفرد من الدخل وبمستوى توزيع الدخل، فكلما كان متوسط دخل الفرد مرتفعا كلما دل ذلك على ارتفاع في مستوى المعيشة.
المبحث الثاني: ماهية التنمية المحلية
لقد تعرفنا في المبحث السابق على مفهوم التنمية عامة وسنحاول من خلال هذا المبحث التعرف أكثر على التنمية المحلية بصفة خاصة إذ سنتناول في هذا المبحث مطلبين المطلب الأول تطور مفهوم التنمية المحلية، والثاني التنمية المحلية.
المطلب الأول: تطور مفهوم التنمية المحلية
لقد أطلق على عملية تنمية المناطق الريفية في عام 1944 مصطلح" تنمية المجتمع"، حيث أكدت سكرتارية اللجنة الاستشارية لتعليم الجماهير في إفريقيا ضرورة الأخذ بتنمية المجتمع، واعتبارها نقطة البداية في السياسات العامة، من جهة أخرى أوصى مؤتمر كامبردج في عام 1948، بضرورة تنمية المجتمع المحلي لتحسين أحواله وظروفه المعيشية ككل اعتمادا على المشاركة الشعبية المحلية لأبناء هذا المجتمع، وفي عام 1954 أوصى مؤتمر "أشردج" الذي عقد لمناقشة المشكلات الإدارية في المستعمرات البريطانية بضرورة تنمية المجتمع المحلي، كما ساهم في تحديد مدلول لها، وعلى مستوى الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، تم التركيز على مفهوم تنمية للمجتمع كوسيلة لرفع مستوى المعيشة، وتهيئة أسباب الرقي الاجتماعي المحلي، من خلال مشاركة المجتمع الايجابية ومبادراته الذاتية، علاوة على الجهود الحكومية، وقد تزامن مفهوم تنمية المجتمع مفهوم التنمية المحلية الذي ركز على الجانب الاقتصادي وزيادة الإنتاج الزراعي، دون الاهتمام بالجوانب الأخرى كالخدمات الاجتماعية التي تتمثل في التعليم، الصحة والإسكان .... الخ، حيث انه ووفقا لما أشار إليه البنك الدولي في منتصف السبعينات، كان أكثر من 80% من سكان الريف لا يحصلون على الخدمات الاجتماعية المناسبة، خاصة في هذه المجالات المذكورة، مقارنة بالمدن، نتيجة هذا الوضع برز مفهوم التنمية الريفية المتكاملة الذي عبر عنه تقرير البنك الدولي عام 1975، عندما ذكر أن التنمية الريفية عملية متكاملة أو إستراتيجية شاملة تستهدف تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية لفقراء الريف، وذلك من خلال زيادة الإنتاج الزراعي، وإنشاء صناعات ريفية توفر فرص عمل جيدة وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والاتصالية والإسكان، ولما كان مفهوم التنمية الريفية المتكاملة يركز على المناطق الريفية،  دون ربطها بتنمية المناطق الحضرية، فقد برز بعد ذلك مفهوم التنمية المحلية، حيث أصبحت التنمية هنا تتجه إلى الوحدات المحلية، سواء كانت ريفية أو حضرية، من هنا أصبحت التنمية المحلية تعرف بأنها عملية التغيير التي تتم في إطار سياسة عامة محلية تعبر عن احتياجات الوحدة المحلية( ريفية، حضرية، صحراوية)[34]، من خلال القيادات المحلية القادرة على استغلال الموارد المحلية، وإقناع المواطنين المحليين بالمشاركة الشعبية، والاستفادة من الدعم المادي والمعنوي الحكومي، وصولا إلى رفع مستوى المعيشة للموطن المحلي، ودمج جميع الوحدات المحلية في الدولة.

1 commentaire:

  1. يمكنك الان الحصول على خدمة اعداد الاطار النظري من خلال شبكة المعلومات العربية فقط تواصل معنا الان لتتعرف على متخصصين فى كتابة محتوي نموذج خطة بحث مكتملة العناصر فقط اتصل بنا الان على ارقام مكتبتك او من خلال زيارة موقعنا

    RépondreSupprimer